الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب القراءة في الظهر) هذه الترجمة والتي بعدها يحتمل أن يكون المراد بهما إثبات القراءة فيهما وأنها تكون سرا إشارة إلى من خالف في ذلك كابن عباس كما سيأتي البحث فيه بعد ثمانية أبواب، ويحتمل أن يراد به تقدير المقروء أو تعينه، والأول أظهر لكونه لم يتعرض في البابين لإخراج شيء مما يتعلق بالاحتمال الثاني، وقد أخرج مسلم وغيره في ذلك أحاديث مختلفة سيأتي بعضها، وجمع بينها بوقوع ذلك في أحوال متغايرة، إما لبيان الجواز أو لغير ذلك من الأسباب، واستدل ابن العربي باختلافها على عدم مشروعية سورة معينة في صلاة معينة، وهو واضح فيما اختلف لا فيما لم يختلف كتنزيل وهل أتى في صبح الجمعة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ الشرح: قوله: (حدثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) في رواية الجوزقي من طريق عبيد الله بن موسى عن شيبان التصريح بالإخبار ليحيى من عبد الله ولعبد الله من أبيه، وكذا للنسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى لكن بلفظ التحديث فيهما، وكذا عنده من رواية أبي إبراهيم القناد عن يحيى حدثني عبد الله فأمن بذلك تدليس يحيى. قوله: (الأوليين) بتحتانيتين الأولى. قوله: (صلاة الظهر) فيه جواز تسمية الصلاة بوقتها. قوله: (وسورتين) أي في كل ركعة سورة كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده، واستدل به على أن قراءة سورة أفضل من قراءة قدرها من طويلة قاله النووي، وزاد البغوي: ولو قصرت السورة عن المقروء، كأنه مأخوذ من قوله كان يفعل، لأنها تدل على الدوام أو الغالب قوله: (يطول في الأولى ويقصر في الثانية) قال الشيخ تقي الدين: كان السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التخفيف في الثانية حذرا من الملل. انتهى. وروى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى في آخر هذا الحديث " فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة"، ولأبي داود وابن خزيمة نحوه من رواية أبي خالد عن سفيان عن معمر، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إني لأحب أن يطول الإمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، واستدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية وسيأتي في باب مفرد، وجمع بينه وبين حديث سعد الماضي حيث قال " أمد في الأوليين " أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول. وقال من استحب استواءهما: إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ، وأما في القراءة فهما سواء، ويدل عليه حديث أبي سعيد عند مسلم " كان يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية " وفي رواية لابن ماجه أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة، وادعى ابن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما، وقد روى مسلم من حديث حفصة " أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها"، واستدل به بعض الشافعية على جواز تطويل الإمام في الركوع لأجل الداخل، قال القرطبي: ولا حجة فيه، لأن الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو لعدم انضباطها، ولأنه لم يكن يدخل في الصلاة يريد تقصير تلك الركعة ثم يطيلها لأجل الآتي، وإنما كان يدخل فيها ليأتي بالصلاة على سنتها من تطويل الأولى، فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق. انتهى. وقد ذكر البخاري في " جزء القراءة " كلاما معناه أنه لم يرد عن أحد من السلف في انتظار الداخل في الركوع شيء والله أعلم. ولم يقع في حديث أبي قتادة هذا هنا ذكر القراءة في الأخريين، فتمسك به بعض الحنفية على إسقاطها فيهما، لكنه ثبت في حديثه من وجه آخر كما سيأتي من حديثه بعد عشرة أبواب. قوله: (ويسمع الآية أحيانا) في الرواية الآتية " ويسمعنا " وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية شيبان، وللنسائي من حديث البراء " كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات " ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه لكن قال " بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية " واستدل به على جواز الجهر في السرية وأنه لا سجود على من فعل ذلك خلافا لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء قلنا كان يفعل ذلك عمدا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر، وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية. وقوله "أحيانا " يدل على تكرر ذلك منه. وقال ابن دقيق العيد: فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار دون التوقف على اليقين، لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية، وكأنه مأخوذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها. ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عقب الصلاة دائما أو غالبا بقراءة السورتين، وهو بعيد جدا والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْنَا خَبَّابًا أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ الشرح: قوله: (حدثنا عمر) هو ابن حفص بن غياث. قوله: (حدثني عمارة) هو ابن عمير كما في الباب الذي بعده. قوله: (عن أبي معمر) هو عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة والموحدة بينهما خاء معجمة ساكنة الأزدي، وأفاد الدمياطي أن لأبيه صحبة، ووهمه بعضهم في ذلك فإن الصحابي أخرج حديثه الترمذي وقال في سياقه " عن سخبرة وليس بالأزدي". قلت: لكن جزم البخاري وابن أبي خيثمة وابن حبان بأنه الأزدي، والعلم عند الله. قوله: (باضطراب لحيته) فيه الحكم بالدليل لأنهم حكموا باضطراب لحيته على قراءته، لكن لا بد من قرينة تعين القراءة دون الذكر والدعاء مثلا لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما، وكأنهم نظروه بالصلاة الجهرية لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء، وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة " كان يسمعنا الآية أحيانا " قوي الاستدلال، والله أعلم. وقال بعضهم: احتمال الذكر ممكن لكن جزم الصحابي بالقراءة مقبول، لأنه أعرف بأحد المحتملين فيقبل تفسيره، واستدل به المصنف على مخافتته القراءة في الظهر والعصر كما سيأتي، وعلى رفع بصر المأموم إلى الإمام كما مضى، واستدل به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لا بد فيه من إسماع المرء نفسه، وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان والشفتين، بخلاف ما لو أطبق شفتيه وحرك لسانه بالقراءة فإنه لا تضطرب بذلك لحيته فلا يسمع نفسه. انتهى وفيه نظر لا يخفى. *3* الشرح: قوله: (باب القراءة في العصر) أورد فيه حديث خباب المذكور قبله، وكذا حديث أبي قتادة مختصرا، وقد تقدم الكلام عليهما في الباب الذي قبله وعلى ما يؤخذ من الترجمة تصريحا أو إشارة. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ الشرح: قوله: (قلنا) في رواية الحموي والمستملي " قلت لخباب". قوله: (ابن الأرت) بفتح الراء وتشديد المثناة الفوقانية. الحديث: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا الشرح: قوله: (هشام) هو الدستوائي. *3* الشرح: قوله: (باب القراءة في المغرب) المراد تقديرها لا إثباتها لكونها جهرية، بخلاف ما تقدم في " باب القراءة في الظهر " من أن المراد إثباتها. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ الشرح: قوله: (أن أم الفضل) هي والدة ابن عباس الراوي عنها، وبذلك صرح الترمذي في روايته فقال " عن أمه أم الفضل " وقد تقدم في المقدمة أن اسمها لبابة بنت الحارث الهلالية، ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة، والصحيح أخت عمر زوج سعيد بن زيد لما سيأتي في المناقب من حديثه " لقد رأيتني وعمر موثقي وأخته على الإسلام " واسمها فاطمة. قوله: (سمعته) أي سمعت ابن عباس، وفيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول سمعتني. قوله: (لقد ذكرتني) أي شيئا نسيته، وصرح عقيل في روايته عن ابن شهاب أنها آخر صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه " ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله " أورده المصنف في " باب الوفاة " وقد تقدم في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت الظهر، وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما رواه النسائي، لكن يعكر عليه رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ " خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب " الحديث أخرجه الترمذي، ويمكن حمل قولها " خرج إلينا " أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم، فتلتئم الروايات. قوله: (يقرأ بها) هو في موضع الحال أي سمعته في حال قراءته. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ الشرح: قوله: (عن ابن أبي مليكة) في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج " حدثني ابن أبي مليكة " ومن طريقة أخرجه أبو داود وغيره. قوله: (عن عروة) في رواية الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج " سمعت ابن أبي مليكة أخبرني عروة أن مروان أخبره". قوله: (قال لي زيد بن ثابت مالك تقرأ) كان مروان حينئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية. قوله: (بقصار) كذا للأكثر بالتنوين وهو عوض عن المضاف إليه. وفي رواية الكشميهني " بقصار المفصل " وكذا للطبراني عن أبي مسلم الكجي، وللبيهقي من طريق الصغاني كلاهما عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه، وكذا في جميع الروايات عند أبي داود والنسائي وغيرهما، لكن في رواية النسائي " بقصار السور " وعند النسائي من رواية أبي الأسود عن عروة عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان " أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر"، وصرح الطحاوي من هذا الوجه بالإخبار بين عروة وزيد، فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد ثم لقي زيدا فأخبره. قوله: (وقد سمعت) استدل به ابن المنير على أن ذلك وقع منه صلى الله عليه وسلم نادرا، قال: لأنه لو لم يكن كذلك لقال كان يفعل يشعر بأن عادته كانت كذلك. انتهى. وغفل عما في رواية البيهقي من طريق أبي عاصم شيخ البخاري فيه بلفظ " لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ"، ومثله في رواية حجاج عن ابن جريج عند الإسماعيلي. قوله: (بطولي الطوليين) أي بأطول السورتين الطويلتين وطولي تأنيث أطول، والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر. ووقع في رواية كريمة " بطول " بضم الطاء وسكون الواو، ووجهه الكرماني بأنه أطلق المصدر وأراد الوصف أي كان يقرأ بمقدار طول الطوليين وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين، وليس هو المراد كما سنوضحه. وحكى الخطابي أنه ضبطه عن بعضهم بكسر الطاء وفتح الواو. قال: وليس بشيء، لأن الطول الحبل ولا معنى له هنا. انتهى. ووقع في رواية الإسماعيلي " بأطول الطوليين " بالتذكير، ولم يقع تفسيرهما في رواية البخاري. ووقع في رواية أبي الأسود المذكورة " بأطول الطوليين المص " وفي رواية أبي داود " قال قلت وما طولي الطوليين؟ قال: الأعراف " وبين النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة ولفظه " قال قلت يا أبا عبد الله " وهي كنية عروة. وفي رواية البيهقي " قال فقلت لعروة". وفي رواية الإسماعيلي " قال ابن أبي مليكة وما طولي الطوليين " زاد أبو داود " قال - يعني ابن جريج - وسألت أنا ابن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه المائدة والأعراف " كذا رواه عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق. وللجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن عبد الرزاق مثله لكن قال " الأنعام " بدل المائدة وكذا في رواية حجاج بن محمد والصغاني المذكورتين، وعند أبي مسلم الكجي عن أبي عاصم بدل الأنعام يونس أخرجه الطبراني وأبو نعيم في المستخرج، فحصل الاتفاق على تفسير الطولي بالأعراف، وفي تفسير الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ منها الأنعام، قال ابن بطال: البقرة أطول السبع الطوال فلو أرادها لقال طولى الطوال، فلما لم يردها دل على أنه أراد الأعراف لأنها أطول السور بعد البقرة. وتعقب بأن النساء أطول من الأعراف، وليس هذا التعقيب بمرضي لأنه اعتبر عدد الآيات وعدد آيات الأعراف أكثر من عدد آيات النساء وغيرها من السبع بعد البقرة والمتعقب اعتبر عدد الكلمات لأن كلمات النساء تزيد على كلمات الأعراف بمائتي كلمة. وقال ابن المنير: تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما والله أعلم. واستدل بهذين الحديثين على امتداد وقت المغرب، وعلى استحباب القراءة فيها بغير قصار المفصل، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده. *3* الشرح: قوله: (باب الجهر في المغرب) اعترض الزين بن المنير على هذه الترجمة والتي بعدها بأن الجهر فيهما لا خلاف فيه، وهو عجيب لأن الكتاب موضوع لبيان الأحكام من حيث هي، وليس هو مقصورا على الخلافيات. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ الشرح: قوله: (عن محمد بن جبير) في رواية ابن خزيمة من طريق سفيان عن الزهري " حدثني محمد ابن جبير". قوله: (قرأ في المغرب بالطور) في رواية ابن عساكر " يقرأ " وكذا هو في الموطأ وعند مسلم، زاد المصنف في الجهاد من طريق محمد بن عمرو عن الزهري " وكان جاء في أسارى بدر " ولابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري " في فداء أهل بدر " وزاد الإسماعيلي من طريق معمر " وهو يومئذ مشرك " وللمصنف في المغازي من طريق معمر أيضا في آخره قال " وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي " وللطبراني من رواية أسامة بن زيد عن الزهري نحوه وزاد " فأخذني من قراءته الكرب " ولسعيد بن منصور عن هشيم عن الزهري " فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن " واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة. وستأتي الإشارة إلى زوائد أخرى فيه لبعض الرواة. قوله: (بالطور) أي بسورة الطور. وقال ابن الجوزي: يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله تعالى قال الترمذي: ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات. وقال الشافعي: لا أكره ذلك بل أستحبه. وكذا نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي، والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهية في ذلك ولا استحباب. وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة بل وبغيرها. قال ابن دقيق العيد: استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب، والحق عندنا أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو مستحب، وما لم تثبت مواظبته عليه فلا كراهة قيه. قلت: الأحاديث التي ذكرها البخاري في القراءة هنا ثلاثة مختلفة المقادير لأن الأعراف من السبع الطوال، والطور من طوال المفصل، والمرسلات من أوساطه. وفي ابن حبان من حديث ابن عمر أنه قرأ بهم في المغرب بالذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على القراءة فيها بشيء من قصار المفصل إلا حديثا في ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص، ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة. فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول، قال الدار قطني: أخطأ فيه بعض رواته. وأما حديث جابر بن سمرة ففيه سعيد بن سماك وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب واعتمد بعض أصحابنا وغيرهم حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال " ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان: فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل " الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وغيره. وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك، لكن في الاستدلال به نظر يأتي مثله في " باب جهر الإمام بالتأمين " بعد ثلاثة عشر بابا. نعم حديث رافع الذي تقدم في المواقيت أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب يدل على تخفيف القراءة فيها، وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه، وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد، لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم. وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف، وهو يرد على أبي داود ادعاء نسخ التطويل لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار، قال: وهذا يدل على نسخ حديث زيد، ولم يبين وجه الدلالة، وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخة، ولا يخفى بعد هذا الحمل، وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول: إن آخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات. قال ابن خزيمة في صحيحه: هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب، إلا أنه إذا كان إماما استحب له أن يخفف في القراءة كما تقدم ا هـ. وهذا أولى من قول القرطبي: ما ورد في مسلم وغيره من تطويل القراءة فيما استقر عليه التقصير أو عكسه فهو متروك، وادعى الطحاوي أنه لا دلالة في شيء الأحاديث الثلاثة على تطويل القراءة، لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة. ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ: فسمعته يقول وليس في السياق ما يقتضي قوله " خاصة " مع كون رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة، بل جاء في روايات أخرى ما يدل على أنه قرأ السورة كلها، فعند البخاري في التفسير " سمعته يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمتين " سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور " ومثله لابن سعد، وزاد في أخرى فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد. ثم ادعى الطحاوي أن الاحتمال المذكور يأتي في حديث زيد بن ثابت، وكذا أبداه الخطابي احتمالا، وفيه نظر لأنه لو كان قرأ بشيء منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان لإنكار زيد معنى. وقد روى حديث زيد هشام بن عروة عن أبيه عنه أنه قال لمروان " إنك لتخف القراءة في الركعتين من المغرب فوالله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين جميعا " أخرجه ابن خزيمة. واختلف على هشام في صحابيه والمحفوظ عن عروة أنه زيد بن ثابت. وقال أكثر الرواة: عن هشام عن زيد بن ثابت أو أبي أيوب، وقيل عن عائشة أخرجه النسائي مقتصرا على المتن دون القصة، واستدل به الخطابي وغيره على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق، وفيه نظر لأن من قال إن لها وقتا واحدا لم يحده بقراءة معينة بل قالوا: لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس، وله أن يمد القراءة فيها ولو غاب الشفق. واستشكل المحب الطبري إطلاق هذا، وحمله الخطابي قبله على أنه يوقع ركعة في أول الوقت ويديم الباقي ولو غاب الشفق، ولا يخفى ما فيه، لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع، ولو أجزأت فلا يحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. واختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن هل هو من أول الصافات أو الجاثية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن أقوال أكثرها مستغرب اقتصر في شرح المهذب على أربعة من الأوائل سوى الأول والرابع، وحكى الأول والسابع والثامن ابن أبي الصيف اليمني، وحكى الرابع والثامن الدزماري في " شرح التنبيه " وحكى التاسع المرزوقي في شرحه، وحكى الخطابي والماوردي العاشر، والراجح الحجرات صلى الله عليه وسلم ذكره النووي. ونقل المحب الطبري قولا شاذا أن المفصل جميع القرآن، وأما ما أخرجه الطحاوي من طريق زرارة بن أوفى قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه: اقرأ في المغرب آخر المفصل. وآخر المفصل من (لم يكن) إلى آخر القرآن فليس تفسيرا للمفصل بل لآخره، فدل على أن أوله قبل ذلك. *3* الشرح: قوله: (باب الجهر في العشاء) قدم ترجمة الجهر على ترجمة القراءة عكس ما صنع في المغرب ثم الصبح، والذي في المغرب أولى ولعله من النساخ. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ قَالَ سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ الشرح: قوله: (حدثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي، وبكر هو ابن عبد الله المزني، وأبو رافع هو الصائغ، وهو ومن قبله من رجال الإسناد بصريون، وهو من كبار التابعين وبكر من أوساطهم وسليمان من صغارهم. قوله: (فقلت له) أي في شأن السجدة يعني سألته عن حكمها، وفي الرواية التي بعدها " فقلت ما هـذه؟". قوله: (سجدت) زاد غير أبي ذر " بها " أي بالسجدة، أو الباء للظرف أي فيها يعني السورة، وفي الرواية الآتية لغير الكشميهني " سجدت فيها". قوله: (خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) أي في الصلاة، وبه يتم استدلال المصنف لهذه الترجمة والتي بعدها، ونوزع في ذلك لأن سجوده في السورة أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها فلا ينهض الدليل. وقال ابن المنير: لا حجة فيه على مالك حيث كره السجدة في الفريضة يعني في المشهور عنه، لأنه ليس مرفوعا، وغفل عن رواية أبي الأشعث عن معتمر بهذا الإسناد بلفظ " صليت خلف أبي القاسم فسجد بها " أخرجه ابن خزيمة، وكذلك أخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي بلفظ " صليت مع أبي القاسم فسجد فيها". قوله: (حتى ألقاه) كناية عن الموت، وسيأتي الكلام على بقية فوائده في أبواب سجود التلاوة إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ الشرح: قوله: (عن عدي) هو ابن ثابت كما في الرواية الآتية بعد باب. قوله: (في سفر) زاد الإسماعيلي " فصلى العشاء ركعتين". قوله: (في إحدى الركعتين) في رواية النسائي " في الركعة الأولى". قوله: (بالتين) أي بسورة التين، وفي الرواية الآتية " والتين " على الحكاية، وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرا والسفر يطلب فيه التخفيف، وحديث أبي هريرة محمول على الحضر فلذلك قرأ فيها بأوساط المفصل. *3* الشرح: قوله: (باب القراءة في العشاء بالسجدة) تقدم ما فيه قبل، والقول في إسناده كالذي قبله. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ قَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ الشرح: (التيمي) هو سليمان بن طرخان والد المعتمر. *3* الشرح: قوله: (باب القراءة في العشاء) تقدم أيضا الحديث: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي الْعِشَاءِ وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً الشرح: قوله فيه (وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه) يأتي الكلام عليه في أواخر كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب يطول في الأوليين) أي من صلاة العشاء، ذكر فيه حديث سعد، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في " باب وجوب القراءة"، ووجهه هنا إما الإشارة إلى إحدى الروايتين في قوله " صلاتي العشاء أو العشي " وإما لإلحاق العشاء بالظهر والعصر لكون كل منهن رباعية. *3* وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطُّورِ الشرح: قوله: (باب القراءة في الفجر) يعني صلاة الصبح. قوله: (وقالت أم سلمة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالطور) يأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلَا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلَا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ الشرح: قوله: (عن وقت الصلاة) في رواية غير أبي ذر " الصلوات " والمراد المكتوبات، وقد تقدم الكلام على حديث أبي برزة المذكور في المواقيت، وقوله هنا (وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة) أي من الآيات، وهذه الزيادة تفرد بها شعبة عن أبي المنهال والشك فيه منه، وقد تقدم عن رواية الطبراني تقديرها بإلحاقة ونحوها، فعلى تقدير أن يكون ذلك في كل الركعتين فهو منطبق على حديث ابن عباس في قراءاته في صبح الجمعة تنزيل السجدة وهل أتى، وعلى تقدير أن يكون في كل ركعة فهو منطبق على حديث جابر بن سمرة في قراءاته في الصبح بـ " ق " أخرجه مسلم. وفي رواية له بالصافات، وفي أخرى عند الحاكم بالواقعة. وكأن المصنف قصد بإيراد حديثي أم سلمة وأبي برزة في هذا الباب بيان حالتي السفر والحضر، ثم ثلث بحديث أبي هريرة الدال على عدم اشتراط قدر معين. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ الشرح: قوله: (إسماعيل بن إبراهيم) هو المعروف بابن علية، وقد تكلم يحيى بن معين في حديثه عن ابن جريج خاصة لكن تابعه عليه عبد الرزاق ومحمد بن بكر ويحيى بن أبي الحجاج عند أبي عوانة وغندر عند أحمد وخالد بن الحارث عند النسائي وابن وهب عند ابن خزيمة ستتهم عن ابن جريج، منهم من ذكر الكلام الأخير ومنهم من لم يذكره. وتابع ابن جريج حبيب المعلم عند مسلم وأبي داود، وحبيب بن الشهيد عند مسلم وأحمد، ورقية بن مصقلة عند النسائي، وقيس بن سعد وعمارة بن ميمون عند أبي داود، وحسين المعلم عند أبي نعيم في المستخرج ستتهم عن عطاء، منهم من طوله ومنهم من اختصره. قوله: (في كل صلاة يقرأ) بضم أوله على البناء للمجهول، ووقع في رواية الأصيلي " نقرأ " بنون مفتوحة في أوله كذا هو موقوف، وكذا هو عند من ذكرنا روايته إلا حبيب بن الشهيد فرواه مرفوعا بلفظ " لا صلاة إلا بقراءة " هكذا أورده مسلم من رواية أبي أسامة عنه، وقد أنكره الدار قطني على مسلم وقال: إن المحفوظ عن أبي أسامة وقفه كما رواه أصحاب ابن جريج، وكذا رواه أحمد عن يحيى القطان وأبي عبيدة الحداد كلاهما عن حبيب المذكور موقوفا، وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن ابن جريج كرواية الجماعة لكن زاد في آخره " وسمعته يقول: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وظاهر سياقه أن ضمير " سمعته " للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا، بخلاف رواية الجماعة. نعم قوله " ما أسمعنا وما أخفى عنا " يشعر بأن جميع ما ذكره متلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون للجميع حكم الرفع. قوله: (وإن لم تزد) بلفظ الخطاب، وبينته رواية مسلم عن أبي خيثمة وعمرو الناقد عن إسماعيل " فقال له رجل إن لم أزد"، وكذا رواه يحيى بن محمد عن مسدد شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي، وزاد أبو يعلي في أوله عن أبي خيثمة بهذا السند " إذا كنت إماما فخفف، وإذا كنت وحدك فطول ما بدا لك، وفي كل صلاة قراءة " الحديث. قوله: (أجزأت) أي كفت، وحكى ابن التين رواية أخرى " جزت " بغير ألف وهي رواية القابسي واستشكله، ثم حكى عن الخطابي قال: يقال جزى وأجزى مثل وفى وأوفى قال: فزال الإشكال. قوله: (فهو خير) في رواية حبيب المعلم " فهو أفضل " وفي هذا الحديث أن من لم يقرأ الفاتحة لم تصح صلاته، وهو شاهد لحديث عبادة المتقدم. وفيه استحباب السورة أو الآيات مع الفاتحة وهو قول الجمهور في الصبح والجمعة والأوليين من غيرهما، وصح إيجاب ذلك عن بعض الصحابة كما تقدم وهو عثمان ابن أبي العاص. وقال به بعض الحنفية وابن كتانة من المالكية، وحكاه القاضي الفراء الحنبلي في الشرح الصغير رواية عن أحمد، وقيل يستحب في جميع الركعات وهو ظاهر حديث أبي هريرة هذا، والله أعلم. *3* وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ الشرح: قوله: (باب الجهر بقراءة صلاة الصبح) ولغير أبي ذر " صلاة الفجر " وهو موافق للترجمة الماضية، وعلى رواية أبي ذر فلعله أشار إلى أنها تسمى بالأمرين. قوله: (وقالت أم سلمة الخ) وصله المصنف في " باب طواف النساء " من كتاب الحج من رواية مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب عن أمها أم سلمة قالت " شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي - أي أن بها مرضا - فقال: طوفي وراء الناس وأنت راكبة. قالت: فطفت حينئذ والنبي صلى الله عليه وسلم " الحديث، وليس فيه بيان أن الصلاة حينئذ كانت الصبح، ولكن تبين ذلك من رواية أخرى أوردها بعد ستة أبواب من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه " فقال: إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي " وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية حسان بن إبراهيم عن هشام، وأما ما أخرجه ابن خزيمة من طريق ابن وهب عن مالك وابن لهيعة جميعا عن أبي الأسود في هذا الحديث قال فيه " قالت وهو يقرأ في العشاء الآخرة " فشاذ، وأظن سياقه لفظ ابن لهيعة، لأن ابن وهب رواه في الموطأ عن مالك فلم يعين الصلاة كما رواه أصحاب مالك كلهم أخرجه الدار قطني في الموطآت له من طرق كثيرة عن مالك، منها رواية ابن وهب المذكورة. وإذا تقرر ذلك فابن لهيعة لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، وعرف بهذا اندفاع الاعتراض الذي حكاه ابن التين عن بعض المالكية حيث أنكر أن تكون الصلاة المذكورة صلاة الصبح فقال: ليس في الحديث بيانها، والأولى أن تحمل على النافلة لأن الطواف يمتنع إذا كان الإمام في صلاة الفريضة. انتهى. وهو رد للحديث الصحيح بغير حجة، بل يستفاد من هذا الحديث جواز ما منعه، بل يستفاد من الحديث التفصيل فنقول: إن كان الطائف بحيث يمر بين يدي المصلين فيمتنع كما قال وإلا فيجوز، وحال أم سلمة هو الثاني لأنها طافت من وراء الصفوف. ويستنبط منه أن الجماعة في الفريضة ليست فرضا على الأعيان، إلا أن يقال كانت أم سلمة حينئذ شاكية فهي معذورة، أو الوجوب يختص بالرجال. وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. وقال ابن رشيد: ليس في حديث أم سلمة نص على ما ترجم له من الجهر بالقراءة، إلا أنه يؤخذ بالاستنباط من حيث أن قولها " طفت وراء الناس " يستلزم الجهر بالقراءة لأنه لا يمكن سماعها للطائف من ورائهم إلا إن كانت جهرية، قال: ويستفاد منه جواز إطلاق " قرأ " وإرادة جهر، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ الشرح: ذكر البخاري حديث ابن عباس في قصة سماع الجن القرآن، وسيأتي الكلام عليه في موضعه من التفسير، ويأتي بيان عكاظ في كتاب الحج في شرح حديث ابن عباس أيضا " كانت عكاظ من أسواق الجاهلية " الحديث. والمقصود منه هنا قوله " وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له " وهو ظاهر في الجهر، ثم ذكر حديث ابن عباس أيضا قال " قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر وسكت فيما أمر، ويمكن أن يكون مراد البخاري بهذا ختم تراجم القراءة في الصلوات إشارة منه إلى أن المعتمد في ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينبغي لأحد أن يغير شيئا مما صنعه. وقال الإسماعيلي: إيراد حديث ابن عباس هنا يغاير ما تقدم من إثبات القراءة في الصلوات، لأن مذهب ابن عباس كان ترك القراءة في السرية. وأجيب بأن الحديث الذي أورده البخاري ليس فيه دلالة على الترك، وأما ابن عباس فكان يشك في ذلك تارة وينفي القراءة أخرى وربما أثبتها، أما نفيه فرواه أبو داود وغيره من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عمه " أنهم دخلوا عليه فقالوا له: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: لا. قيل: لعله كان يقرأ في نفسه؟ قال: هذه شر من الأولى، كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به " وأما شكه فرواه أبو داود أيضا والطبري من رواية حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال " ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا " انتهى. وقد أثبت قراءته فيهما خباب وأبو قتادة وغيرهما كما تقدم، فروايتهم مقدمة على من نفى، فضلا على من شك. ولعل البخاري أراد بإيراد هذا إقامة الحجة عليه، لأنه احتج بقوله تعالى وقد جاء عن ابن عباس إثبات ذلك أيضا رواه أيوب عن أبي العالية البراء قال (سألت ابن عباس: أقرأ في الظهر والعصر؟ قال هو أمامك اقرأ منه ما قل أو كثر". أخرجه ابن المنذر والطحاوي وغيرهما. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُمِرَ وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية. قوله: (وما كان ربك نسيا - و - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) قال الخطابي: مراده أنه لو شاء الله أن ينزل بيان أحوال الصلاة حتى تكون قرآنا يتلى لفعل ولم يتركه عن نسيان، ولكنه وكل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم شرع الاقتداء به. قال: ولا خلاف في وجوب أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب. و قوله: (أسوة) بكسر الهمزة وضمها أي قدوة.
|